وقوله: {مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} أشار إلى أن الرسول هو محمّد صلى الله عليه وسلم بقوله مخاطبًا له: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا} الآية؛ لأن هذا الخطاب له إجماعًا
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ أي صلاتكم إلى بيت المقدس على الأصح ويستروح ذلك من قوله قبله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا}، ولا سيما على القول باعتبار دلالة الاقتران، والخلاف فيها معروف في الأصول .
{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}، بيّنه قوله بعده: {تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
أُولَـائِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّـاعِنُونَ لم يبيّن هنا ما اللاعنون، ولكنه أشار إلى ذلك في قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} .
{أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} لم يبيّن هنا وجه كونهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أُخر، كقوله: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ}، وقوله: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} . وقوله في الأرض: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} .
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونََ} وَاخْتِلَـافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لم يبيّن هنا وجه كون اختلافهما آية، ولكنّه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ} . إلى غير ذلك من الآيات .
{وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} لم يبيّن هنا كيفية تسخيره، ولكنه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}، وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} .
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}
، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوااْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ المراد بالذين ظلموا الكفار وقد بيّن ذلك بقوله في آخر الآية: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}، ويدلّ لذلك قوله تعالى عن لقمان مقررًا له:، ويدلّ لذلك قوله تعالى عن لقمان مقررًا له: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقوله جلّ وعلا: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقوله: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} .
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ أشار هنا إلى تخاصم أهل النار . وقد بيّن منه غير ما ذكر هنا في مواضع أُخر كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}، إلى غير ذلك من الآيات .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}
، وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ لم يذكر هنا ما يترتب على اتباع خطواته من الضرر، ولكنه أشار إلى ذلك في سورة "النور"، بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} . {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ لم يبيّن هنا هذا الذي يقولونه عليه بغير علم، ولكنه فصله في مواضع أُخر فذكر أن ذلك الذي يقولونه بغير علم هو أن اللَّه حرّم البحائر والسوائب ونحوها، وأن لهُ أولادًا، وأن له شركاء، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا . فصرح بأنه لم يحرم ذلك بقوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}، وقوله: {وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاء عَلَى اللَّهِ} . وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} . وقوله: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات . ونزه نفسه عن الشركاء المزعومة بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، ونحوها من الآيات ونزّه نفسه عن الأولاد المزعومة بقوله: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} . ونحوها من الآيات فظهر من هذه الآيات تفصيل، {مَا} أجمل في اسم الموصول الذي هو {مَا}، من قوله: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}
، إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ظاهر هذه الآية أن جميع أنواع الميتة والدم حرام، ولكنه بيّن في موضع آخر أن ميتة البحر خارجة عن ذلك التحريم وهو قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} . إذ ليس للبحر طعام غير الصيد إلا ميتته . وما ذكره بعض العلماء من أن المراد بطعامه قديده المجفف بالملح مثلاً، وأن المراد بصيده الطري منه . فهو خلاف الظاهر؛ لأن القديد من صيده فهو صيد جعل قديدًا وجمهور العلماء على أن المراد بطعامه ميتته . منهم: أبو بكر الصديق، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه ابن عمر، وأبو أيوب الأنصاري ــ رضي اللَّه عنهم أجمعين ــ وعكرمة، وأبو سلمة بن عبد الرحمان، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري وغيرهم . كما نقله عنهم ابن كثير . وأشار في موضع آخر إلى أن غير المسفوح من الدماء ليس بحرام وهو قوله: {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا}، فيفهم منه أن غير المسفوح كالحمرة التي تعلو القدر من أثر تقطيع اللحم ليس بحرام، إذ لو كان كالمسفوح لما كان في التقييد بقوله: {مَّسْفُوحًا} . فـائـدة
وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن اللَّه أحلّ له ولأمته ميتتين ودمين، أما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الأنعام إن شاء اللَّه تعالى .
وعنه صلى الله عليه وسلم في البحر "هو الحل ميتته" أخرجه مالك وأصحاب "السنن" والإمام أحمد، والبيهقي والدارقطني في سننهما، والحاكم في "المستدرك"، وابن الجارود في "المنتقى"، وابن أبي شيبة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبخاري .
وظاهر عموم هذا الحديث وعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُهُ}، يدل على إباحة ميتة البحر مطلقًا . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أنه أكل من العنبر، وهو حوت ألقاه البحر ميتًا وقصته مشهورة.
وحاصل تحرير فقه هذه المسألة: أن ميتة البحر على قسمين: قسم لا يعيش إلا في الماء، وإن أُخرج منه مات كالحوت . وقسم يعيش في البر، كالضفادع ونحوها.
أما الذي لا يعيش إلا في الماء كالحوت . فميتته حلال عند جميع العلماء وخالف أبو حنيفة رحمه الله، فيما مات منه في البحر وطفا على وجه الماء . فقال فيه: هو مكروه الأكل، بخلاف ما قتله إنسان أو حسر عنه البحر فمات، فإنه مباح الأكل عنده .
وأما الذي يعيش في البر، من حيوان البحر: كالضفادع، والسلحفاة، والسرطان وترس الماء . فقد اختلف فيه العلماء . فذهب مالك بن أنس إلى أن ميتة البحر من ذلك كله مباحة الأكل، وسواء مات بنفسه أو وجد طافيًا أو باصطياد، أو أُخرج حيًّا، أو أُلقي في النار، أو دسّ في طين.
وقال ابن نافع، وابن دينار: ميتة البحر مما يعيش في البر نجسة.
ونقل ابن عرفة قولاً ثالثًا بالفرق بين أن يموت في الماء، فيكون طاهرًا، أو في البرّ فيكون نجسًا؛ وعزاه لعيسى عن ابن القاسم. والضفادع البحرية عند مالك مباحة الأكل، وإن ماتت فيه.
وفي "المدونة": ولا بأس بأكل الضفادع وإن ماتت؛ لأنها من صيد الماء. اهـ.
أما ميته الضفادع البرية فهي حرام بلا خلاف بين العلماء، وأظهر الأقوال منع الضفادع مطلقًا ولو ذكيت، لقيام الدليل على ذلك، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى.
أما كلب الماء وخنزيره فالمشهور من مذهب مالك فيهما الكراهة.
قال خليل بن إسحاق المالكي في "مختصره"، عاطفًا على ما يكره، وكلب ماء وخنزيره.
وقال الباجي: أما كلب البحر وخنزيره، فروى ابن شعبان أنه مكروه وقاله ابن حبيب.
وقال ابن القاسم في "المدونة": لم يكن مالك يجيبنا في خنزير الماء بشىء، ويقول: أنتم تقولون خنزير.
وقال ابن القاسم: وأنا أتقيه ولو أكله رجل لم أره حرامًا هذا هو حاصل مذهب مالك في المسألة، وحجّته في إباحة ميتة الحيوان البحري كان يعيش في البر أو لا.
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}، ولا طعام له غير صيده إلا ميتته، كما قاله جمهور العلماء، وهو الحق ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في البحر: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، وقد قدمنا ثبوت هذا الحديث وفيه التصريح من النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن ميتة البحر حلال، وهو فصل في محل النزاع. وقد تقرر في الأصول أن المفرد إذا أضيف إلى معرفة كان من صيغ العموم. كقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}، وقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
وإليه أشار في "مراقي السعود"، بقوله عاطفًا على صيغ العموم: وما معرفًا بأل قد وجدا
أو بإضافة إلى معرف ** إذا تحقق الخصوص قد نفىا
وبه نعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم "ميتته" يعم بظاهره كل ميتة مما في البحر.
ومذهب الشافعي رحمه اللَّه في هذه المسألة هو أن ما لا يعيش إلا في البحر فميتته حلال، بلا خلاف، سواء كان طافيًا على الماء أم لا.
وأما الذي يعيش في البر من حيوان البحر فأصح الأقوال فيه وهو المنصوص عن الشافعي في "الأم"، و "مختصر المزني"، واختلاف العراقيين: أن ميتته كله حلال؛ للأدلة التي قدمنا آنفًا ومقابله قولان:
أحدهما: منع ميتة البحري الذي يعيش في البر مطلقًا.
الثاني: التفصيل بين ما يؤكل نظيره في البر، كالبقرة والشاة فتباح ميتة البحري منه، وبين ما لا يؤكل نظيره في البرّ كالخنزير والكلب فتحرم ميتة البحري منه، ولا يخفى أن حجة الأول أظهر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " الحل ميتته " وقوله تعالى: {وَطَعَامُهُ}، كما تقدم.
وأما مذهب الإمام أحمد رحمه اللَّه، فهو أن كل ما لا يعيش إلا في الماء فميتته حلال، والطافي منه وغيره سواء، وأما ما يعيش في البرّ من حيوان البحر فميتته عنده حرام، فلا بدّ من ذكاته إلا ما لا دم فيه؛ كالسرطان فإنه يباح عنده من غير ذكاة. واحتجّ لعدم إباحة ميتة ما يعيش في البرّ؛ بأنه حيوان يعيش في البرّ له نفس سائلة فلم يبح بغير ذكاة، كالطير.
وحمل الأدلة التي ذكرنا على خصوص ما لا يعيش إلاّ في البحر.
اهـ.
وكلب الماء عنده إذا ذكي حلال، ولا يخفى أن تخصيص الأدلة العامة يحتاج إلى نص، فمذهب مالك والشافعي أظهر دليلاً، واللَّه تعالى أعلم.
ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه اللَّه أن كل ما يعيش في البرّ لا يؤكل البحري منه أصلاً؛ لأنه مستخبث. وأما ما لا يعيش إلا في البحر وهو الحوت بأنواعه فميتته عنده حلال، إلا إذا مات حتف أنفه في البحر وطفا على وجه الماء، فإنه يكره أكله عنده، فما قتله إنسان أو حسر عنه البحر فمات حلال عنده، بخلاف الطافي على وجه الماء. وحجته فيما يعيش في البرّ منه: أنه مستخبث، واللَّه تعالى يقول: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}، وحجّته في كراهة السمك الطافي ما رواه أبو داود في "سننه": حدّثنا أحمد بن عبدة، حدّثنا يحيىا بن سليم الطائفي، حدّثنا إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " ما ألقي البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه ".اهـ.
قال أبو داود: روى هذا الحديث سفيان الثوري، وأيوب، وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر.
وقد أسند هذا الحديث أيضًا من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ.
وأجاب الجمهور عن الاحتجاج الأول بأن ألفاظ النصوص عامة في ميتة البحر، وأن تخصيص النص العام لا بدّ له من دليل من كتاب أو سنّة يدلّ على التخصيص، كما تقدم.
ومطلق ادعاء أنه خبيث لا يردّ به عموم الأدلة الصريحة في عموم ميتة البحر، وعن الاحتجاج الثاني بتضعيف حديث جابر المذكور.
قال النووي في "شرح المهذب"، ما نصه: وأما الجواب عن حديث جابر الذي احتجّ به الأولون فهو أنه حديث ضعيف باتفاق الحفاظ لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شىء، فكيف وهو معارض بما ذكرناه من دلائل الكتاب والسنة وأقاويل الصحابة رضي اللَّه عنهم المنتشرة؟.
وهذا الحديث من رواية يحيىا بن سليم الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير عن جابر.
قال البيهقي: يحيىا بن سليم الطائفي كثير الوهم سَيِّىء الحفظ. قال: وقد رواه غيره عن إسماعيل بن أُمية موقوفًا على جابر. قال: وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: ليس هو بمحفوظ، ويروى عن جابر خلافه. قال: ولا أعرف لأثر ابن أُمية عن أبي الزبير شيئًا.
قال البيهقي: وقد رواه أيضًا يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير مرفوعًا، ويحيىا بن أبي أنيسة متروك لا يحتجّ به. قال: ورواه عبد العزيز بن عبيد اللَّه، عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعًا، وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به، قال: ورواه بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا، ولا يحتج بما ينفرد به بقية، فكيف بما يخالف؟ قال: وقول الجماعة من الصحابة على خلاف قول جابر مع ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته". اهـ.
وقال البيهقي في "السنن الكبرى" في باب " من كره أكل الطافي " ما نصه: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن فيروز، حدّثنا محمد بن إسماعيل الحساني، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبيد اللَّه بن عمر، عن أبي الزبير، عن جابر رضي اللَّه عنه أنه كان يقول: "ما ضرب به البحر أو جزر عنه أو صيد فيه فكل، وما مات فيه ثم طفا فلا تأكل". وبمعناه رواه أبو أيوب السختياني وابن جريج، وزهير بن معاوية، وحماد بن سلمة، وغيرهم عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا وعبد الرّزّاق وعبد اللَّه بن الوليد العدني، وأبو عاصم، ومؤمل بن إسماعيل وغيرهم، عن سفيان الثوري موقوفًا، وخالفهم أبو أحمد الزبيري فرواه عن الثوري مرفوعًا وهو واهم فيه، أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، أنبأ سليمان بن أحمد اللخمي، حدّثنا عليّ بن إسحاق الأصبهاني، حدّثنا نصر بن علي، حدّثنا أبو أحمد الزبيري، حدّثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إذا طفا السمك على الماء فلا تأكله، وإذا جزر عنه البحر فكله، وما كان على حافته فكله ". قال سليمان: لم يرفع هذا الحديث عن سفيان إلاّ أبو أحمد، ثم ذكر البيهقي بعد هذا الكلام حديث أبي داود الذي قدمنا، والكلام الذي نقلناه عن النووي.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه فتحصل: أن حديث جابر في النهي عن أكل السمك الطافي ذهب كثير من العلماء إلى تضعيفه وعدم الاحتجاج به. وحكى النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه كما قدمنا عنه، وحكموا بأن وقفه على جابر أثبت. وإذن فهو قول صحابي معارض بأقوال جماعة من الصحابة منهم: أبو بكر الصدّيق رضي اللَّه عنه وبالآية والحديث المتقدمين. وقد يظهر للناظر أن صناعة علم الحديث والأصول لا تقتضي الحكم بردّ حديث جابر المذكور؛ لأن رفعه جاء من طرق متعددة وبعضها صحيح، فرواية أبي داود له مرفوعًا التي قدمنا، ضعفوها بأن في إسنادها يحيىا بن سليم الطائفي، وأنه سَيِّىء الحفظ.